
في عام 2025، بلغت فجوة المواهب في الأمن السيبراني أكثر من 3.5 مليون وظيفة شاغرة. هذا ليس تخميناً، بل واقع. لكن بينما تتصدر أزمة نقص المهارات العناوين، فإنها تخفي مشكلة أعمق: لا يزال الكثيرون يبحثون عن السيرة الذاتية “المثالية” بدلاً من الإمكانات البشرية الحقيقية.
في مجال يتطور أسرع من ألقاب الوظائف، حان الوقت لنغير زاوية النظر.
لحظة غيرت تفكيري
قابلت ذات مرة مرشحاً شاباً للأمن السيبراني، كانت سيرته الذاتية تحمل خطأً فادحاً: جملة منسية من نموذج جاهز عن عمل في “مؤسسة طبية” لم يعمل بها أبداً. كان بإمكان أي شخص أن يستبعده فوراً. لكنني لم أفعل. الفضول دفعني.
قلت له: “احكِ لي قصتك.” لم يتردد. ابتسم، اعترف بالخطأ بتواضع، ثم روى قصة مليئة بالتعلّم الذاتي، التحديات، والنمو. مساره لم يكن خطاً مستقيماً، بل مليئاً بالمنعطفات، لكنه كان ينبض بالحماس والوعي الذاتي.
حينها أدركت: أفضل مرشح هو من يحمل شرارة ووعياً، لا سيرة ذاتية لامعة خالية من الجوهر.
لماذا قد تخدعنا الخبرة؟
السيرة الذاتية لا تكشف كيف يتصرف شخص ما في مواجهة الغموض. لا تُخبرك إن كان سيصمد أم سينهار تحت الضغط. لا تُظهر قدرته على التواصل بوضوح في أزمة، أو إن كان سيتهرب من المسؤولية عندما تسوء الأمور.
في الأمن السيبراني، نحن لا نوظّف لمهام اليوم فقط بل للمجهول الذي يحمله الغد. المهاجمون يتطورون. التكتيكات تتغير. الأدوات تصبح قديمة. التفكير الراكد هو بكل تأكيد نقطة ضعف.
التوظيف بناءً على الإمكانات ليس مجرد فلسفة إيجابية. إنه استراتيجية بقاء. إنه كيف تبني فريقاً مقاوماً للمستقبل الغامض.
عدسة المسارات الملتوية
بعض أفضل المحترفين الذين عملت معهم لم يسلكوا مسارات تقليدية. لم يجمعوا الشهادات كجوائز، ولم يتقدموا في مسارات وظيفية متوقعة. كانت مساراتهم مليئة بالمنعطفات: تجارب، تغييرات، إخفاقات، وانتعاشات. هذه “المسارات الملتوية” لم تكن عيوباً بل كانت كنوزاً من المعلومات والمعارف والمهارات.
أظهرت لي:
- هذا الشخص واجه الفشل ونهض منه.
- أعاد اختراع نفسه.
- يفكر باستقلالية.
- يتحرك بنية واضحة.
في الأمن السيبراني، حيث الأرض لا تكف عن الدوران، هذه المرونة ليست ميزة إضافية بل ضرورة حيوية.
التوظيف للإمكانات
كيف توظّف للإمكانات دون أن تنخدع بالكاريزما أو الانطباعات الغامضة؟
تبحث عن إشارات. على مر السنين، تعلمت أن أرصد خمس خصال رئيسية، غالباً مخفية بين السطور:
- سرعة التعلّم
مرشح روى لي كيف قضى عطلات نهاية الأسبوع في تعلّم عكس هندسة البرمجيات الخبيثة، ليس لأن أحداً طلب منه، بل لأنه مفتون بكيفية تفادي البرمجيات للكشف. آخر بنى منصة ذكاء تهديدات سيبرانية باستخدام نماذج لغوية مفتوحة المصدر مثل DeepSeek وLlama، فقط لأنه رأى حاجة وسدّها. هذا التعلّم الذاتي يُظهر عقلاً في حركة دائمة. سرعة التعلّم لا تعني معرفة الكثير، بل حب اكتساب المعرفة بسرعة. - الصمود في السيناريوهات
في المقابلات، أحاكي الضغط. قد أطرح سيناريو تحقيق بسيط، ثم أرفعه إلى اختراق طارئ. هل يرتبك المرشح؟ أم يحافظ على تركيزه؟ هل يطرح أسئلة توضيحية أم يتجمد؟ الصمود ليس صاخباً—إنه تفكير هادئ تحت النار. - طلاقة التنقل بين السياقات
الأدوار السيبرانية تتطلب رشاقة ذهنية. لحظة واحدة تحلل سجلات، والأخرى تشرح نتائج لمدير لا يفهم التفاصيل التقنية المتخصصة. أبحث عمن يستطيع التنقل بين العوالم، من يفهم لغة الأجهزة ولغة الأعمال. - فضول يتحرك
لا أريد فقط من يجيب جيداً. أريد من يسأل بذكاء. أسئلتهم عن الدور، عن تحدياتنا، وعن أدواتنا تكشف إن كانوا يتوقون لفهم الصورة الكبيرة. - الحذر البنّاء
الأمن السيبراني ليس للبسطاء والسذّج. أقدّر المحترفين الذين “ينامون بعين واحدة مفتوحة”، الذين يسألون “ماذا قد يحدث؟” ليس ليثيروا الجدل، بل ليظلوا في المقدمة. هذا الحذر النشط هو ما يحول المدافعين إلى صيادي تهديدات.
إذا كانت سرعة التعلّم والنزاهة قوية، غالباً أتغاضى عن ضعف مهارات التواصل والتي يمكن تدريبها. لكن غياب الفضول؟ هذا خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
ما وراء المقابلة
بعض أفضل الرؤى تأتي من لحظات صغيرة، لا من إجابات مُعدّة:
- مرشح يتعثر، هل يعترف أم يتهرب؟
- لا يطرح أسئلة في النهاية، هل هو غير مهتم؟
- يتحدث عن حياته خارج العمل، هل هناك توازن؟ تأمل؟ دافع خفي؟
لذلك، ننهي كل مقابلة بأربعة أسئلة:
- ماذا تعرف عنا؟ هل أعدّ نفسه؟ هل يهتم؟
- لماذا تريد الانضمام إلينا؟ هل يبحث عن معنى أم هي مجرد وظيفة؟
- هل لديك أسئلة لنا؟ الفضول يعكس التوافق. الصمت قد يعكس اللامبالاة.
- من أنت خارج المكتب؟ سمعت إجابات من الألعاب الإلكترونية إلى الرياضات المتعددة إلى ركوب الدراجات إلى التخييم المنفرد. لا نقيّم الهوايات بالطبع، بل نبحث عن التوازن والوعي الذاتي. الأمن السيبراني متطلب. الإنسان الكامل يصمد.
العائد الاستراتيجي
التوظيف بناءً على الإمكانات ليس رفاهية. إنه يبني:
- قيادات داخلية.
- ثقافة تعلّم مستمر.
- ولاء يقاوم التحديات.
- فريق يسبق المهاجمين.
لأن المهاجمون يتكيفون. وكذلك يجب أن نفعل.
كما قالت ديلويت في بحثها عن مستقبل العمل:
“القادة الجاهزون للمستقبل هم من يتنقلون في الغموض، يزدهرون في الفوضى، ويتطورون باستمرار.”
فكرة ختامية
في فيلم السعي وراء السعادة، يصل كريس غاردنر إلى مقابلة بملابس ملطخة بالطلاء. يُسأل: “ماذا لو أتى شخص بلا قميص، ووظّفته؟” يجيب بابتسامة: “لا بد أن بنطاله كان استثنائياً.”
هذه العبارة تجعلني أبتسم دائماً. لأن الإمكانات لا تحتاج إلى مظهر مثالي. إنها تظهر في الصمود، التواضع، والحماس.
وإذا نظرت بعناية، فلن تفوتك تلك الشرارة.