
تحمل مكاتب المحاماة، بمختلف أحجامها، بيانات شديدة الحساسية تشمل مراسلات العملاء، والسجلات المالية، والاستراتيجيات القانونية. هذه البيانات باتت عرضة بشكل متزايد للهجمات، إذ يستغل المجرمون السيبرانيون كلمات المرور الضعيفة، والأنظمة القديمة، ونقص وعي الموظفين.
يصنف الخبراء مكاتب المحاماة إلى ثلاث فئات: الأولى تعالج الثغرات فور اكتشافها؛ والثانية تدركها لكنها لا تتحرك؛ والثالثة، وغالباً ما تكون المكاتب الصغيرة، تجهل تماماً وجودها. بينما يجعل غياب فرق تقنية متخصصة بياناتها أكثر عرضة للاستغلال. حتى المكاتب الكبرى ليست في مأمن، إذ إن الأمن السيبراني غالباً ما يكون مجرد جزء ثانوي من مهام قسم تقنية المعلومات. وبينما يركز مسؤولو هذه الأقسام على استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي لدعم مستقبل العمل، تبقى الثغرات الأمنية دون معالجة مباشرة.
ويتوقع العملاء من مكاتبهم توفير الحماية الكاملة لبياناتهم، بل إن كثيرين يبدون استعداداً لدفع رسوم أعلى لقاء خدمات قانونية تتمتع بأمن سيبراني متين.
تصاعد الهجمات على القطاع القانوني مع بروز تقنيات تصيد متطورة وهجمات مدعومة بدول
تشمل أبرز نقاط الضعف التي يستغلها المهاجمون كلمات المرور البسيطة والحسابات المشتركة وغياب المصادقة الثنائية، إضافة إلى الأنظمة غير المحدثة والأجهزة التي غالباً ما يستهان بها مثل الطابعات. كما أن تخزين البيانات الحساسة على أجهزة غير محمية أو خدمات سحابية عامة يزيد المخاطر.
ووفق Proton، تعرض 20% من مكاتب المحاماة لهجوم سيبراني العام الماضي، أسفر 39% منها عن فقدان أو تسريب بيانات. وقد دفعت Orrick, Herrington & Sutcliffe ثمانية ملايين دولار لتسوية دعوى جماعية عقب خرق عام 2023 شمل أكثر من 600 ألف ملف يتضمن بيانات شخصية حساسة.
كما حذر مكتب التحقيقات الفيدرالي من نشاط مجموعة Silent Ransom منذ 2022، التي تتبنى أسلوب سرقة بيانات العملاء وابتزاز المكاتب عبر التهديد بنشرها. ومنذ مارس 2025، تحولت المجموعة من حملات تصيد عبر مكالمات عودة تنتحل شركات مثل Duolingo إلى هجمات التصيد الصوتي vishing، حيث يتظاهر المهاجمون بأنهم موظفو دعم تقني ويدفعون الضحايا لتثبيت أدوات وصول عن بعد مثل Zoho Assist وAnyDesk.
حتى الوكالات الحكومية لم تسلم، إذ كشفت هيئة المساعدة القانونية البريطانية عن خرق لبيانات قضايا حساسة، ما أدى إلى توقف خدماتها الرقمية، بما في ذلك المدفوعات ومعالجة الطلبات. كما تستهدف جهات مدعومة من دول مكاتب محاماة كبرى لاعتبارها خزائن لمعلومات استراتيجية بالغة الأهمية في سياق التجسس وسرقة البيانات.
الذكاء الاصطناعي يغير موازين التهديدات والحلول الممكنة أمام المكاتب القانونية
يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً مزدوجاً في مكاتب المحاماة، فهو يعزز الكفاءة في إدارة الوثائق، ومراجعة العقود، والفوترة، والتواصل مع العملاء، لكنه في الوقت نفسه أصبح أداة بيد المهاجمين. نشهد حالياً موجة من هجمات التصيد عالية التعقيد، حتى الخبراء المخضرمون يقعون في شباكها. وتستخدم مقاطع تزييف عميق لتزييف الشهادات أو المراسلات، ما يضاعف خطورة الهجمات نظراً لتوفر هذه التقنيات بسعر منخفض وسهولة استخدامها. وتشير بيانات ISACA إلى أن 71% من خبراء الأمن السيبراني يتوقعون تزايد دقة وانتشار هجمات التزييف العميق خلال العام المقبل.
وللتخفيف من المخاطر، ينصح الخبراء بوضع خطط استجابة للحوادث تشمل الاكتشاف والاحتواء والتعافي، إلى جانب برامج تدريب دورية للموظفين حول أساليب التصيد والهندسة الاجتماعية. كما يجب فرض إدارة قوية لكلمات المرور مع تطبيق المصادقة متعددة العوامل، واعتماد نسخ احتياطية مشفرة ومنفصلة للبيانات الحساسة. كذلك تعد إدارة الثغرات والتحديثات الأمنية، إلى جانب ضوابط التحكم في الصلاحيات حسب الأدوار RBAC، من العناصر الأساسية لحماية بيانات العملاء والحفاظ على الثقة.