اتهمت الصين الولايات المتحدة بالاستيلاء على 127 ألف وحدة من عملة بيتكوين الرقمية، تبلغ قيمتها السوقية أكثر من 13 مليار دولار، في قضية تهدد بإشعال أزمة دبلوماسية بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم. وقالت بكين إن العملية تمثل “قرصنة مدعومة من دولة” استهدفت مجمع التعدين الصيني LuBian عام 2020، في حين تؤكد وزارة العدل الأميركية أن الأموال صودرت قانونياً ضمن حملة دولية لمكافحة الاحتيال مرتبطة بمجموعة Huione التي تتخذ من كمبوديا مقراً لها.
وتعود جذور الأزمة إلى عملية اختراق واسعة استهدفت محفظة LuBian الساخنة، ما أدى إلى فقدان 127426 وحدة من بيتكوين، كانت تقدر آنذاك بنحو 3.5 مليار دولار. لكن الصين تقول اليوم إن تحقيقات مركز الاستجابة لطوارئ فيروسات الحاسوب الوطني CVERC أظهرت أن العملية لم تكن عملاً إجرامياً فردياً بل هجوماً سيبرانياً على مستوى الدولة نفذته أجهزة استخبارات أميركية.
في المقابل، تشير واشنطن إلى أن المصادرة تمت نهاية عام 2025 بموجب أمر قضائي صادر عن وزارة العدل، وتؤكد أن الأصول كانت مرتبطة بأنشطة مالية غير مشروعة. وتضيف أن الخطوة تأتي ضمن حملة أوسع لتجفيف منابع الجرائم الإلكترونية العابرة للحدود.
حالياً تبلغ القيمة السوقية للمبلغ المتنازع عليه نحو 13.3 مليار دولار، أي ما يعادل 0.65% من إجمالي المعروض من بيتكوين، وهو ما يثير مخاوف من تأثيره على سيولة السوق في المدى القريب.
سوق العملات المشفرة تحت ضغط التوتر السياسي
يتداول بيتكوين حالياً عند مستوى 104374 دولاراً بانخفاض 1.8% خلال 24 ساعة، بعد أن لامس أعلى مستوى يومي عند 107355 دولاراً وأدنى عند 104251 دولاراً. وتبلغ القيمة السوقية الإجمالية نحو 2.08 تريليون دولار، وسط أحجام تداول قوية. ويراقب المستثمرون عن كثب منطقة الدعم البالغة 104 آلاف دولار.
ويقول محللون إن التوتر بين بكين وواشنطن أحدث موجة جديدة من القلق دفعت بعض المستثمرين إلى جني الأرباح، بينما يعتقد آخرون أن الأزمة قد تعزز مكانة بيتكوين كأصل رقمي استراتيجي في مواجهة الهيمنة النقدية التقليدية. وتضيف تقديرات السوق أن تجميد جزء من المعروض المتداول قد يضغط على جانب العرض ويخلق دعماً للأسعار في الأجل الطويل.
ورغم الغموض المحيط بالقضية، فإن صناديق المؤشرات المتداولة الخاصة ببيتكوين تواصل جذب تدفقات استثمارية، ما يشير إلى أن الطلب المؤسسي ما زال متماسكاً. ويرى خبراء أن الصراع حول ملكية هذه الأصول يعكس تحول العملات المشفرة إلى أدوات نفوذ جيوسياسي أكثر من كونها مجرد أصول استثمارية.
خلفيات الاختراق واتهامات متبادلة
تعود تفاصيل حادثة LuBian إلى ديسمبر 2020، حين تعرض مجمع التعدين لاختراق تقني أدى إلى سرقة عشرات الآلاف من الوحدات الرقمية. وتشير تحليلات لاحقة إلى أن السبب ربما كان ثغرة في مفاتيح التشفير، المعروفة باسم Milky Sad، نتجت عن ضعف في توليد المفاتيح الخاصة. وتضيف تقارير أن تلك الثغرة ربما استغلتها جهات تمتلك قدرات سيبرانية عالية المستوى.
تتهم الصين واشنطن اليوم باستخدام هذه الثغرة للوصول إلى المفاتيح والتحكم في المحافظ الرقمية. بينما تنفي الولايات المتحدة تماماً هذه المزاعم، مؤكدة أن عملية المصادرة تمت وفق إجراءات قانونية داخلية وبالتنسيق مع جهات إنفاذ القانون الدولية.
تجاوز الجدل الحدود التقنية ليصبح ملفاً سياسياً يعيد إلى الأذهان صراعات التجسس السيبراني بين البلدين في العقد الأخير. ويرى مراقبون أن بكين تستخدم القضية لتسليط الضوء على ازدواجية الموقف الأميركي في قضايا الأمن السيبراني، بينما تعتبر واشنطن أن الاتهامات محاولة لتحويل الأنظار عن مشكلات الشفافية داخل المنصات الصينية.
توقعات الأسواق للبيتكوين في ظل النزاع
بحسب بيانات منصة TradingView، يتداول بيتكوين حول 105026 دولاراً بارتفاع طفيف قدره 0.72%، مع بقاء الدعم الفني عند متوسط الحركة لـ356 يوماً حول مستوى 105 آلاف دولار. ويقول خبراء إن حالة الخوف وعدم اليقين الناتجة عن الخلاف الصيني الأميركي قد تدفع بعض المتعاملين إلى تقليص مراكزهم مؤقتاً، لكن آخرين يرون أن ما يحدث يعزز رواية “الذهب الرقمي” ويؤكد أن العملات المشفرة باتت أصولاً استراتيجية تتعامل معها الدول كجزء من أدوات قوتها الرقمية.
وتشير بيانات من منصة Coinglass إلى استمرار صناديق الاستثمار المؤسسية بعمليات الشراء، ما يعكس ثقة طويلة الأجل في الأصل الرقمي الأكبر في العالم. وإذا بقيت الأصول المصادرة خارج التداول، فإن تراجع السيولة قد يشكل عاملاً داعماً للأسعار مع اقتراب عام 2026.
