
أصدر مركز NAVEX المتخصص في حلول الامتثال المؤسسي تقريره السنوي لعام 2025، والذي يستعرض أبرز عشرة اتجاهات يُتوقع أن تُشكّل ملامح الحوكمة وإدارة المخاطر والامتثال خلال العام الجاري. التقرير يستند إلى تحليل معطيات من آلاف الجهات في مختلف القطاعات، ويُظهر التحول المتسارع في طريقة فهم المؤسسات لمفهوم الامتثال، من كونه وظيفة دعم إداري إلى كونه جزءًا محوريًا من الاستراتيجية المؤسسية.
1. التحول من الامتثال الشكلي إلى قياس الفعالية التشغيلية
أصبح تقييم فعالية برامج الامتثال المؤسسي محط اهتمام الجهات التنظيمية والمستثمرين على حدٍ سواء. لم يعد يكفي وجود سياسات مكتوبة أو برامج توعية شكلية، بل بات التركيز ينصب على مدى تنفيذ هذه السياسات، واستجابة الموظفين لها، وفعالية القنوات الداخلية للإبلاغ عن المخالفات. الجهات الرائدة باتت تعتمد على مقاييس محددة مثل نسب التفاعل مع البرامج التدريبية، وسرعة إغلاق البلاغات، ومدى التزام فرق العمل بالسلوك المؤسسي.
2. توسّع نطاق الإفصاح المرتبط بالاستدامة والحوكمة البيئية والاجتماعية (ESG)
تزايدت المتطلبات التنظيمية بشأن الإفصاح عن أنشطة الجهات في مجالات البيئة، والحوكمة، والمسؤولية الاجتماعية. ويأتي ذلك استجابةً لتوقعات الأسواق والمستثمرين ومطالبهم بمزيد من الشفافية. بات من الضروري على الجهات تطوير نماذج حوكمة خاصة بـ ESG، وإنشاء فرق عمل مخصصة لتقييم المخاطر البيئية والاجتماعية، وربطها بالمخاطر التشغيلية والامتثال التنظيمي.
3. دمج الذكاء الاصطناعي يستلزم حوكمة تقنية متقدمة
أدى التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي إلى ظهور تحديات تتطلب أطر حوكمة متخصصة. الجهات التي تعتمد على خوارزميات مؤتمتة في اتخاذ القرار تواجه مخاطر تتعلق بالتحيّز، وسوء التفسير، والمسؤولية القانونية. لذلك، يشير التقرير إلى ضرورة إنشاء سياسات تنظيمية تُراعي الاعتبارات الأخلاقية، خصوصًا في النماذج التي تُستخدم في الموارد البشرية، والامتثال، وإدارة سلسلة الإمداد.
4. الخصوصية تنتقل من الامتثال إلى الاستراتيجية المؤسسية
الخصوصية وحماية البيانات لم تعد مجرد عنصر تنظيمي، بل تحولت إلى أحد الأصول الاستراتيجية. الجهات الناجحة في هذا المجال هي التي تمكّنت من تحويل سياسات الخصوصية إلى إجراءات تشغيلية تشمل تحديد وتصنيف البيانات، وتطبيق ضوابط وصول واضحة، وإجراء مراجعات دورية للأنظمة الداخلية والخارجية التي تتعامل مع المعلومات الحساسة.
5. المساءلة المؤسسية لم تعد خيارًا
ثقافة النزاهة المؤسسية أصبحت من أبرز عوامل التقييم المؤسسي، سواء من قبل الجهات التنظيمية أو الأطراف ذات العلاقة. يتوقع العملاء والشركاء والمستثمرون أن تكون المؤسسات شفافة في قراراتها، ومتجاوبة مع البلاغات، ومُنصفة في آليات التحقيق واتخاذ القرار. التقرير يؤكد أن غياب الشفافية لم يعد مقبولًا، حتى في القضايا الداخلية.
6. دمج الامتثال داخل الحوكمة الاستراتيجية
تتحول وظيفة الامتثال من كونها جهة رقابة داخلية إلى شريك استراتيجي في اتخاذ القرار. يتطلب ذلك دمج سياسات الامتثال ضمن القرارات المالية، ومشروعات التحول الرقمي، وعقود الشراكات. الجهات التي تنجح في ذلك، هي تلك التي تمتلك هياكل حوكمة مرنة تسمح بربط الأهداف التشغيلية بالضوابط والالتزامات القانونية في وقت واحد.
7. إعادة تصميم قنوات الإبلاغ الداخلي
تشهد قنوات الإبلاغ عن المخالفات الداخلية تحولًا واضحًا من النماذج التقليدية إلى الأنظمة الذكية المؤتمتة. إلا أن فعالية هذه القنوات لا تعتمد فقط على التقنية، بل على الثقة. وجود نظام بلاغات لا يضمن نجاحه ما لم يشعر الموظفون بالأمان من الانتقام، وبوجود شفافية في التحقق من البلاغات، والتفاعل معها ضمن مدة زمنية محددة.
8. الحاجة إلى توحيد إدارة المخاطر في بيئات العمل المعقدة
مع ازدياد التعقيد في بيئات العمل الرقمية، بات من الضروري وجود إطار موحد يربط بين مختلف أنواع المخاطر: التشغيلية، التنظيمية، التقنية، والبيئية. هذا النهج يُمكّن الجهات من فهم التداخل بين المخاطر المختلفة، واتخاذ قرارات استباقية بناءً على مؤشرات واضحة، بدلاً من الاكتفاء بالاستجابة بعد وقوع الحدث.
9. التقنيات المتقدمة كعامل تمكين لا كخطر
التقنيات التي كانت تُعد تحديًا قبل سنوات، أصبحت اليوم عامل تمكين رئيسي. أنظمة إدارة الامتثال المتقدمة، القائمة على التحليل التنبؤي والذكاء الاصطناعي، أصبحت ضرورة للمؤسسات التي تتعامل مع بيئات تنظيمية متعددة. الاستخدام الذكي لهذه الأدوات يمكّن الجهات من تتبع السياسات، والتحقق من الامتثال، واكتشاف المخاطر قبل أن تتصاعد.
10. حوكمة الجهات الخارجية وسلاسل الإمداد
شهدت السنوات الماضية حوادث متكررة سببها أطراف ثالثة غير ملتزمة بالسياسات الأمنية أو التنظيمية. لذلك، تُعد حوكمة الموردين والجهات الخارجية أحد المحاور الأساسية في تقرير 2025. الجهات مطالبة بوضع ضوابط واضحة للامتثال ضمن عقود الشراكة، وتنفيذ تقييمات دورية، وتحديث سياسات التحقق من الامتثال ضمن سلاسل التوريد الرقمية.
ختامًا
تعكس الاتجاهات العشر لعام 2025 تحوّلًا جذريًا في طريقة تعامل المؤسسات مع مفاهيم الحوكمة والمخاطر والامتثال، في ظل بيئة تنظيمية تتسارع فيها المتطلبات وتتعاظم فيها التحديات الرقمية. لم يعد الامتثال مسؤولية جهة واحدة داخل المؤسسة، بل أصبح التزامًا جماعيًا يتطلب تكامل الأدوار بين السياسات والتقنية والثقافة المؤسسية. وفي عالم تتداخل فيه الحدود بين التنظيم والسمعة والأمن الرقمي، فإن الاستباقية في بناء أنظمة حوكمة مرنة، وامتثال ديناميكي، ورؤية موحدة للمخاطر، باتت من مقومات الاستدامة المؤسسية.