
يشهد العالم تسارعًا ملحوظًا في تبنّي تقنيات التشفير الآمن ضد الحوسبة الكمية، مع صدور ثلاث مبادرات معيارية رئيسية خلال الأشهر الأخيرة، تهدف إلى دعم المؤسسات في التحول إلى خوارزميات مقاومة للهجمات الكمية.
أحدث هذه المبادرات جاءت من معهد المعايير الأوروبية للاتصالات (ETSI) الذي أعلن في مارس 2025 عن معيار جديد يُعرف باسم Covercrypt، وهو نظام لتغليف المفاتيح مع التحكم في الوصول (KEMAC)، يمكّن من فك تشفير البيانات استنادًا إلى سمات المستخدم، مع المحافظة على خصوصيتها.
وتقوم الآلية على السماح فقط للمستخدمين الذين تنطبق عليهم “سياسة التغليف” المضمّنة في التشفير باسترداد مفاتيح الجلسة. وتمتاز Covercrypt بسرعة عالية، إذ لا تتطلب سوى مئات الميكروثواني لإنجاز عمليات التغليف وفك التغليف.
كما صُممت لتتكامل بسهولة مع المنتجات الأمنية التجارية، وتُعد صالحة لمواجهة تهديدات اليوم، وتلك القادمة مع تطور الحوسبة الكمية.
معايير دولية تدفع نحو مرحلة ما بعد التشفير التقليدي
لا يُعد معيار ETSI الخطوة الوحيدة في هذا السياق؛ ففي أغسطس 2024، أعلن المعهد الوطني الأمريكي للمعايير والتقنية (NIST) رسميًا عن أول معايير عالمية للتشفير ما بعد الكمي (PQC)، شملت ثلاث خوارزميات: خوارزميتين لتغليف المفاتيح، وأخرى للتوقيع الرقمي.
وفي مارس 2025، أصدر المركز الوطني للأمن السيبراني في المملكة المتحدة (NCSC) خارطة طريق شاملة لتبنّي التشفير المقاوم للحوسبة الكمية، تهدف إلى اكتمال الانتقال في القطاعات الحيوية بحلول عام 2035.
تأتي هذه التحركات الدولية في ظل اقتراب الحوسبة الكمية من الاستخدام التجاري واسع النطاق. ففي فبراير 2025، كشفت مايكروسوفت عن أول شريحة حوسبة كمية تحمل اسم Majorana 1، والتي تفتح الباب لتطوير أجهزة كمومية قادرة على الوصول إلى مليون كيوبت خلال “سنوات، لا عقود”، وفقًا لتصريحات الشركة.
مخاوف من كسر التشفير التقليدي
هذه التطورات التقنية تثير مخاوف جدية بشأن قدرة الحوسبة الكمية على كسر بروتوكولات التشفير التقليدية، مما يجعل البيانات والاتصالات عرضة للاختراق حتى وإن تم اعتراضها الآن وتخزينها للهجوم لاحقًا (known as Harvest Now, Decrypt Later).
لذا تشكّل هذه المعايير الثلاثة — من ETSI، وNIST، وNCSC — حجر الأساس لمرحلة ما بعد التشفير التقليدي، وتُعد إشارات واضحة للمؤسسات بضرورة البدء الفوري في تقييم جاهزيتها والانتقال نحو بيئة مشفّرة مقاومة للحوسبة الكمية.