الأمن القائم على الهوية: الركيزة الأساسية لحماية البيئات الرقمية الحديثة

دور ضوابط الأمن السيبراني في تعزيز استراتيجيات إدارة الهوية وتقليل المخاطر السيبرانية المتزايدة

الأمن القائم على الهوية: الركيزة الأساسية لحماية البيئات الرقمية الحديثة
مع توسع البيئات الرقمية واعتماد التقنيات السحابية، أصبح الأمن القائم على الهوية حجر الأساس في حماية الأنظمة والبيانات

مع تزايد اعتماد المؤسسات على الحوسبة السحابية والعمل عن بُعد، أصبح من الضروري إعادة التفكير في استراتيجيات الأمن السيبراني التقليدية. وفقًا لتقرير جارتنر، فإن 70% من استراتيجيات الأمن السيبراني المعتمدة على الهوية ستفشل بحلول عام 2026 إذا لم تعتمد المؤسسات سياسات وصول قائمة على السياق والتقييم المستمر.

لماذا الأمن القائم على الهوية؟

لم يعد نموذج “الأمن عبر المحيط” (Perimeter Security) – والذي يقصد به تأمين الشبكات من خلال الجدران النارية ونقاط الدخول التقليدية – كافيًا لحماية الأنظمة والبيانات، خاصة مع انتشار التطبيقات السحابية والأجهزة المحمولة. بدلاً من ذلك، أصبح الأمن القائم على الهوية (Identity-First Security) حجر الأساس في الأمن السيبراني الحديث، حيث يعتمد على التحقق المستمر من الهوية لضمان أمان الوصول إلى الأنظمة الرقمية.

في هذا السياق، تبنت ضوابط الأمن السيبراني سياسات واضحة لحماية الهويات الرقمية داخل المؤسسات، حيث تفرض الضوابط على الجهات الالتزام بإدارة الهويات والصلاحيات، وتطبيق المصادقة متعددة العوامل، وتفعيل سياسات الحد الأدنى من الامتيازات، وهي ممارسات جوهرية تعزز مناعة الأنظمة الرقمية ضد التهديدات المتزايدة.

تحوّل الأمن السيبراني إلى نموذج الهوية أولًا

الأمن القائم على الهوية: المفهوم والدور المحوري

يعتمد الأمن القائم على الهوية على اعتبار الهوية الرقمية العنصر الأساسي في سياسات الأمن السيبراني، حيث يتم التحقق من هوية المستخدم أو الجهاز أو الخدمة قبل منح أي صلاحية للوصول. ومع تنامي استخدام التطبيقات السحابية (SaaS)، أصبحت كل محاولة وصول إلى البيانات نقطة ضعف محتملة إذا لم تتم إدارتها بطريقة صحيحة.

وفقًا للضوابط الأساسية للأمن السيبراني، يجب على المؤسسات تطبيق إدارة فعالة للهويات الرقمية تضمن مراقبة الصلاحيات باستمرار، والتأكد من عدم وجود حسابات غير نشطة أو صلاحيات مفرطة قد تشكل ثغرات أمنية.

أهمية الأمن القائم على الهوية في البيئات السحابية

  • الوصول العالمي: توفر التطبيقات السحابية إمكانية الوصول من أي مكان، مما يزيد من مخاطر الاختراقات.
  • تعقيد التحكم في الوصول: أصبحت بيانات المؤسسات مشتتة عبر منصات مختلفة، مما يتطلب إدارة هويات وصلاحيات أكثر تطورًا.
  • تصاعد التهديدات السيبرانية: تُعد الهجمات القائمة على سرقة بيانات الاعتماد من أكثر التهديدات تطورًا، مما يستدعي تطبيق سياسات أمنية متقدمة.

تحول تركيز المهاجمين نحو الهويات الرقمية

يؤكد الأمريكي جلين شيشولم، الرئيس التنفيذي للمنتجات في Obsidian، أن المهاجمين باتوا يركزون على سرقة بيانات الهوية بدلًا من مهاجمة الأجهزة نفسها، وذلك نظرًا لاعتماد المؤسسات على المصادقة الموحدة (SSO – Single Sign-On)، مما يسمح باستخدام بيانات اعتماد واحدة لاختراق أنظمة متعددة داخل المؤسسة.

مكونات الأمن القائم على الهوية

المصادقة والتفويض المتقدم

تعتمد المؤسسات الحديثة على أنظمة تحقق متقدمة تشمل:

  • المصادقة متعددة العوامل (MFA – Multi-Factor Authentication): تتطلب أكثر من وسيلة للتحقق من الهوية مثل رموز التحقق، والبصمة البيومترية. وفقًا لضوابط الأمن السيبراني للعمل عن بُعد، يجب تطبيق المصادقة متعددة العوامل على جميع الأنظمة التي يتم الوصول إليها خارج بيئة العمل التقليدية.
  • المصادقة التكيفية (Adaptive Authentication): تعديل متطلبات المصادقة وفقًا لسلوك المستخدم، والموقع الجغرافي، ونوع الجهاز المستخدم.
  • إدارة جلسات المستخدم (Session Management): فرض عمليات إعادة التحقق الدورية لتجنب بقاء الجلسات النشطة لفترات طويلة دون رقابة.

إدارة دورة حياة الهوية

يتطلب الأمن القائم على الهوية إدارة دقيقة لدورة حياة المستخدمين والصلاحيات، والتي تشمل:

  • إنشاء وإدارة الحسابات وفق ضوابط إدارة الهوية والصلاحيات، والتي تتطلب التحكم الصارم في تسجيل الحسابات الجديدة والتأكد من مطابقتها للسياسات الأمنية.
  • التدقيق المستمر للصلاحيات لضمان عدم منح المستخدمين صلاحيات غير ضرورية، وهو مبدأ أساسي في إدارة الوصول القائم على الصلاحيات الدنيا (Least Privilege Access).
  • إلغاء الصلاحيات تلقائيًا عند انتهاء الحاجة إليها، كما تنص سياسات الأمن السيبراني للموارد البشرية على ضرورة تعطيل الحسابات فور انتهاء ارتباط الموظف بالمؤسسة.

سياسات الوصول القائمة على المخاطر

تعتمد المؤسسات على نموذج الوصول القائم على المخاطر (Risk-Based Access Control – RBAC) لضبط الصلاحيات بناءً على عوامل متغيرة مثل:

  • تحليل سلوك المستخدم: هل يتناسب هذا الطلب مع سلوك المستخدم المعتاد؟
  • التحقق الجغرافي: هل يتم الوصول من دولة لم يسجل المستخدم دخوله منها سابقًا؟
  • أمان الجهاز: هل الجهاز المستخدم يحتوي على تحديثات أمنية محدثة؟

التحديات والتهديدات الأمنية المرتبطة بالهوية

تصاعد هجمات التصيد الاحتيالي (Phishing)

تستهدف هجمات التصيد الاحتيالي أنظمة المصادقة التقليدية من خلال خداع المستخدمين للكشف عن بيانات اعتمادهم. وفقًا لضوابط الأمن السيبراني للتوعية والتدريب، يجب على المؤسسات تنفيذ برامج توعوية دورية حول مخاطر التصيد الاحتيالي وأساليب الحماية منه، بما في ذلك استخدام المصادقة متعددة العوامل ومراقبة سلوك المستخدمين غير المعتاد.

استهداف الهويات غير البشرية (NHI)

مع زيادة الاعتماد على حسابات الأنظمة الآلية (Machine Identities)، أصبحت هذه الهويات هدفًا رئيسيًا للمهاجمين، حيث يمكن استغلالها للوصول إلى الأنظمة الحساسة أو تنفيذ هجمات سلسلة التوريد. وفقًا لضوابط الأمن السيبراني للبنية التحتية السحابية، يجب حماية الحسابات غير البشرية عبر سياسات تحقق قوية وضبط دقيق للصلاحيات.

تطبيق الأمن القائم على الهوية: أفضل الممارسات

الاعتماد على إدارة الهوية كخدمة (IDaaS)

تمكن منصات إدارة الهوية كخدمة (Identity as a Service – IDaaS) المؤسسات من تطبيق حلول مثل المصادقة متعددة العوامل، وتسجيل الدخول الموحد، وتحليلات السلوك الأمني، بما يتماشى مع ضوابط الأمن السيبراني للتحكم في الوصول.

تكامل الأمن القائم على الهوية مع أنظمة IAM السحابية

تسهل أنظمة إدارة الهوية والصلاحيات (IAM – Identity and Access Management) مراقبة جميع عمليات الوصول، مما يعزز الامتثال للمعايير الأمنية المعتمدة.

تطبيق مبدأ “أقل صلاحية ممكنة” (Least Privilege Access)

يجب على المؤسسات ضمان أن كل مستخدم يمتلك فقط الحد الأدنى من الصلاحيات المطلوبة لأداء مهامه، مما يقلل من فرص الاستغلال أو الهجمات الداخلية، وهو مبدأ أساسي في ضوابط إدارة الحسابات ذات الامتيازات العالية.

الخاتمة: الأمن القائم على الهوية هو المستقبل

لم يعد الأمن السيبراني يعتمد على الجدران النارية وكلمات المرور التقليدية، بل أصبح يركز على الهوية كعنصر محوري لحماية الأنظمة. مع استمرار تصاعد الهجمات السيبرانية المعتمدة على سرقة بيانات الهوية، تحتاج المؤسسات إلى تبني استراتيجيات متقدمة تشمل التحقق المستمر، المصادقة التكيفية، وتحليل السلوك الأمني.

التحرك الآن يضمن الحماية غدًا

  • اعتماد حلول إدارة الهوية الحديثة
  • الانتقال إلى المصادقة بدون كلمة مرور
  • تطبيق سياسات وصول قائمة على المخاطر

في النهاية، الأمن القائم على الهوية ليس مجرد توجه مستقبلي، بل هو ضرورة حتمية لحماية البيئات الرقمية الحديثة.

الموثوقة والمعتمدة لدى خبراء الأمن السيبراني

تقرأ في نشرتنا التي تصلك كل أسبوع:

  • أحدث أخبار ومستجدات الأمن السيبراني محليًا وعالميًا.
  • تحليلات وتقارير دقيقة يقدمها خبراء المجال.
  • نصائح عملية لتطوير استراتيجياتك السيبرانية.
  • مراجعات شاملة لأهم الأحداث والتطورات التقنية
اذهب إلى الأعلى