
بدأت شركة «كلودفلير»، إحدى أكبر شركات البنية التحتية للإنترنت في العالم، بتطبيق سياسة جديدة تحظر تلقائياً عمليات الزحف الإلكتروني (Web Crawling) التي تنفذها أنظمة الذكاء الاصطناعي، ما لم تحصل على إذن مباشر من مالكي المواقع.
هذا التحول في السياسة يضع حداً لممارسة كانت سائدة منذ سنوات، حيث اعتادت شركات الذكاء الاصطناعي على جمع بيانات الإنترنت لتدريب نماذجها اللغوية الكبرى (LLMs) دون عوائق.
حظر تلقائي وتغيير في قواعد اللعبة
في السابق، كان بإمكان أصحاب المواقع اختيار الانسحاب من عمليات الزحف عبر إعدادات مخصصة. أما اليوم، فقد أصبح الحظر هو الوضع الافتراضي. وأتى هذا القرار بعد أن اختار أكثر من مليون عميل لدى «كلودفلير» تقييد وصول الروبوتات الذكية إلى محتواهم.
وفقاً للسياسة الجديدة، يتوجب على مزوّدي خدمات الذكاء الاصطناعي طلب إذن صريح للوصول إلى البيانات، مع توضيح ما إذا كان الاستخدام يهدف إلى التدريب أو الاستدلال أو البحث.
وقال الدكتور أندري كولوكينكو، الرئيس التنفيذي لشركة «ImmuniWeb» وزميل الجمعية البريطانية للحوسبة، إن «هذه الميزة الأمنية المنتظرة من (كلودفلير) تُعد كارثية لكثير من شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وقد تكون قاتلة لنماذج أعمالها الحالية». وأضاف: «هذا الإجراء سيمنع بشكل ذكي الروبوتات الجشعة من انتهاك المحتوى البشري دون إذن ودون مقابل».
نحو اقتصاد جديد للمحتوى الرقمي
وتتضمن السياسة الجديدة برنامج «الدفع مقابل الزحف» (Pay Per Crawl)، الذي يتيح لمجموعة مختارة من الناشرين تحديد تسعيرات مقابلة للسماح لأنظمة الذكاء الاصطناعي بالوصول إلى محتواهم. وبموجب هذا النموذج، يمكن للشركات المطورة إما الدفع مقابل الاستخدام أو حجب الوصول عنها تماماً.
وخلال حدث «Axios Live» الأسبوع الماضي، شدد ماثيو برينس، الرئيس التنفيذي لشركة «كلودفلير»، على أن «بقاء الإنترنت في عصر الذكاء الاصطناعي مرهون بقدرة الناشرين على استعادة السيطرة، وبناء نموذج اقتصادي جديد يخدم الجميع».
وأضاف كولوكينكو: «مع اشتداد المنافسة القادمة من الصين، سيواجه معظم مزودي الذكاء الاصطناعي التوليدي في الغرب واقعاً صعباً: إما دفع مقابل بيانات التدريب أو الخروج من السوق».
المساحات الرمادية والتحديات القانونية
ورغم وضوح التوجه التقني، لا تزال الأبعاد القانونية محل جدل. ففي مايو الماضي، رفضت الجهات التنظيمية في أيرلندا وألمانيا منع شركة «ميتا» من استخدام بيانات «فيسبوك» و«إنستغرام» لتدريب نموذجها «Llama»، رغم اعتراضات منظمات حماية الخصوصية والمستهلكين.
وقال كولوكينكو إن «التحايل المتعمد على آليات منع الروبوتات، والقيام بعمليات زحف واسعة النطاق، قد يُعد جريمة في بعض الدول». لكنه لفت إلى أن التهديد القانوني الأكبر لا يكمن في قضايا الملكية الفكرية، بل في دعاوى الإخلال بالعقود.