يدخل القطاع المالي مرحلة جديدة من التحول الرقمي تتسم بسرعة العمليات، وتخصيص الخدمات، واتساع الترابط بين الأنظمة. غير أن هذا التقدم يجلب معه تحديات متصاعدة في الأمن السيبراني، تضع المؤسسات أمام اختبار مستمر لتحقيق التوازن بين الابتكار والحماية.
ووفقاً لتقرير Kaspersky IT Security Economics 2024، تنفق مؤسسات البنوك والتأمين والتمويل (BFSI) ما معدله 1.2 مليون دولار سنوياً على الأمن السيبراني، فيما يبلغ متوسط تكلفة الحادثة الأمنية الكبرى نحو 3.2 ملايين دولار، أي ما يعادل 2.7 ضعف ميزانية الحماية السنوية، ما يؤكد أن الرقمنة أصبحت حتمية، وأن أي قصور في الإجراءات الوقائية يرفع مخاطر التعرض لهجمات واسعة التأثير.
اتجاهات جديدة تعيد صياغة مستقبل الأمن السيبراني في القطاع المالي
يشير خبراء كاسبرسكي إلى مجموعة من الاتجاهات التي باتت تشكل محاور رئيسية في بيئة الأمن السيبراني للقطاع المالي:
1. واجهات Open Banking API
يرافق التحول نحو خدمات مصرفية أكثر تركيزاً على العميل تحد أمني متصاعد، إذ تمثل كل واجهة برمجية فرصة للابتكار لكنها تشكل نقطة دخول محتملة لهجمات إلكترونية أيضاً، ما يجعل الحماية والامتثال شرطين غير قابلين للتساهل.
2. نموذج Banking-as-a-Service (BaaS)
يسمح هذا النموذج بإطلاق الخدمات المصرفية بسرعة عبر بنية تحتية جاهزة، لكنه يشكل مخاطر مشتركة بين الشركاء، إذ قد يؤدي اختراق في نظام واحد إلى انتشار الأثر في كامل المنظومة، مهدداً استقرارها وثقة المستخدمين.
3. التمويل المدمج (Embedded Finance)
أصبحت خدمات الدفع والإقراض مدمجة داخل تطبيقات التجزئة ومنصات التوصيل وغيرها من الخدمات، ما يوسع نطاق الهجمات إلى خارج الإطار الأمني التقليدي. ويستلزم ذلك مراقبة مستمرة واعتماد تدابير أمنية شاملة لحماية هذه القنوات.
4. التحول إلى السحابة (Cloud Migration)
يتيح التوسع السحابي مرونة أعلى في التشغيل لكنه يفتح المجال أمام مخاطر جديدة، مثل سوء الإعداد أو غموض المسؤوليات أو زيادة التعرض للهجمات. ويعد أكثر من ربع قادة القطاع المالي هذا الانتقال من أبرز مصادر القلق الأمني.
5. الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence)
تستخدم نحو 75% من المؤسسات المالية حلول الذكاء الاصطناعي، فيما تخطط 10% أخرى لتبنيها قريباً. ورغم دورها في رفع الكفاءة وتحسين إدارة المخاطر، فإنها تجلب تهديدات جديدة مثل الاحتيال الاصطناعي، والتلاعب بالنماذج، والهجمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي تصعب التمييز بين النشاط المشروع والضار.
مشهد التهديدات المتوسع
تظهر إحصاءات كاسبرسكي أن الابتكار في الخدمات المالية يقابله توسع في نقاط الضعف. فقد شكلت هجمات برمجيات الفدية نحو 42% من الحوادث المسجلة في عام 2024، فيما استهدفت عمليات التصيد قرابة 24% من العملاء المصرفيين. وأظهرت البيانات أن الخطأ البشري تسبب بأكثر من ربع الاختراقات، غالباً نتيجة مخالفة سياسات داخلية، في حين أدت برمجيات سرقة المعلومات (Infostealers) إلى سرقة بيانات بطاقات بنكية في حالة واحدة من كل 14 إصابة.
وتشير التقارير إلى أن التهديدات المتقدمة المستمرة ما تزال تمثل الخطر الأكبر، إذ تنفذ مجموعات مثل Carbanak هجمات معقدة بمليارات الدولارات عبر استغلال ثغرات اليوم صفر وسلاسل الإمداد.
في عام 2024، مثل القطاع المالي 18% من إجمالي الحوادث الأمنية عالمياً، وهو أعلى من أي قطاع آخر. وتفاوتت آثار الهجمات بين تعطيل الخدمات لفترات طويلة واختراقات لم يكتشفها الضحايا لأسابيع، ما أثر في ثقة العملاء واستقرار الأنظمة.
خارطة الطريق نحو حماية شاملة للقطاع المالي
الخطوة الأولى: الاستعداد والمراجعة الشاملة
ينبغي البدء بتقييم كامل للبنية التقنية، ومراجعة العمليات الحالية، وتحديد الثغرات قبل أن تستغلها الجهات المهاجمة. ورغم قدرة الفرق الداخلية على قيادة هذه الجهود، فإن الاستعانة بخبرات خارجية تمنح منظوراً جديداً يساعد في كشف المخاطر الخفية.
الخطوة الثانية: توظيف التقنيات المتقدمة
تحتاج فرق الأمن إلى منصات متكاملة قادرة على مراقبة جميع قنوات الهجوم والاستجابة السريعة لأي خرق. ويعد الجمع بين الرصد اللحظي ورد الفعل الفوري عاملاً حاسماً في تقليل الأثر وحماية البنية الكاملة للمؤسسة.
الخطوة الثالثة: التعلم المستمر والاستخبارات السيبرانية
مع تطور التهديدات، يصبح الإلمام المتجدد بمشهد المخاطر أمراً ضرورياً. ويجب على المؤسسات توظيف أدوات التحليل والاستخبارات المتقدمة لتحديث استراتيجياتها الوقائية باستمرار، إلى جانب الاستثمار في برامج توعية تعزز ثقافة الأمن بين الموظفين ليشكلوا خط الدفاع الأول ضد الهجمات.
وختاماً، يرى خبراء كاسبرسكي أن الدمج بين التكنولوجيا المتطورة، والتعليم المستمر، والشراكات الموثوقة، كفيل بتأسيس بنية تحتية مرنة وقادرة على الصمود أمام التهديدات المستقبلية، بما يضمن الامتثال التنظيمي واستمرارية الأعمال في بيئة مالية آمنة.









